کد مطلب:370269 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:596

الفصل الثانی القتال من أجل الملک












الصفحة 70












الصفحة 71


بدایة:


قد قرأنا فی الفصل السابق: أن علیاً (علیه السلام) قد وصفهم بأن الشیطان قد زین لهم أنهم ظاهرون.. وأنهم كانوا ینطلقون فی حروبهم له مما یجدونه فی أنفسهم من حقد وضغینة.. وأن الأمانی قد غرتهم، وأن أنفسهم الامارة وأمانیهم قد زینت لهم المعاصی.. وأن الهوى قد صدهم عن الحق. وأن النزق قد طمح بهم.. إلى غیر ذلك من كلماته (علیه السلام)، التی بینت لنا دوافعهم لخوض تلك الحرب ضد أهل الإیمان والإسلام، وضد الأخوة والآباء والأبناء.. والأصدقاء..


إن إصرارهم على خوض تلك الحرب، وقولهم المتقدم ذكره: یرى علی أنا نخافه؟! رغم إقامة الحجة علیهم، وانقطاع عذرهم، لیدل دلالة واضحة على أن ما یسعون إلیه كان بنظرهم أهم من الالتزام بحقائق الدین، وأحكامه وشرائعه..


ولاشك أن الدنیا وحطامها، والحصول على الأموال والغنائم كان أحد أهدافهم من حروبهم التی خاضوها.. ولكنه لیس هو الهدف الوحید، بل هناك هدف آخر مهم جداً أیضاً، وهو الذی یجلب لهم المال، والسبایا ذوات الجمال.. ألا وهو الوصول إلى الحكم، والإمساك












الصفحة 72


بالسلطان. وسنجد فی هذا الفصل شواهد عدیدة على ذلك، فإلى ما یلی من مطالب.


الأهداف الباطلة:


وفی عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فإنه بعد أن قتل بعض فرسان «الخوارج»، نجد عبد الله بن وهب الراسبی یبرز للقتال، ویعلن أنه إنما یفعل ذلك لأجل هدفین اثنین هما:


1ـ أخذ ثار من قتل من أصحابه.


2ـ إزالة دولة أمیر المؤمنین، وصیرورة الأمر إلى أصحابه «الخوارج»، فإنه جعل یرتجز بین الصفین، ویقول:


 













أنا ابن وهب الراسبی الشاری أضرب فی القوم لأخذ الثار
حتى تزول دولة الأشرار ویرجع الحق إلى الأخیار(1)



ألاعیبهم فی سبیل الحكم:


والخریت بن راشد أیضاً كان یسعى إلى الدنیا، حیث إنه كان یحاول إرضاء كل الفرقاء، ولا یلزم نفسه بشیء.


فقد قال لمن معه من «الخوارج»: «إنا على رأیكم، وإن علیاً لم ینبغ له أن یحكّم!!


وقال للآخرین، من أصحابه: حكّم، ورضی، فخلعه حكمه الذی ارتضاه.


وهذا كان الرأی الذی خرج علیه من الكوفة، وإلیه كان یذهب.


____________



(1) الفتوح لابن أعثم ج4 ص132 ومناقب آل أبی طالب ج3 ص190 ونقل أیضاً عن شرح نهج البلاغة للمعتزلی.













الصفحة 73


وقال سراً للعثمانیة: أنا والله على رأیكم. قد ـ والله ـ قتل عثمان مظلوماً.


فأرضى كل صنف منهم.


وقال لمن منع الصدقة: شدوا أیدیكم على صدقاتكم، وصلوا بها أرحامكم»(1).


مع أنه قد علل خروجه على أمیر المؤمنین بما یدل على أنه كان حروریاً خارجیاً، حیث قال لأمیر المؤمنین (علیه السلام) أول خروجه علیه، وعصیانه له: «.. لأنك حكمت، وضعفت عن الحق، وركنت إلى القوم الذین ظلموا، فأنا علیك زارٍ، وعلیهم ناقم، ولكم جمیعاً مباین»(2).


یولیه، فینصرف عن خارجیته:


وقد كاتب عبد الملك بن مروان شبیباً الخارجی ـ فی الطاعة، على أن یولیه الیمامة، ویهدر له ما أصاب من الدماء، فاتهموه فی هذه المكاتبة(3).


____________



(1) تاریخ الأمم والملوك ج4 ص96 والكامل فی التاریخ ج3 ص368. وشرح النهج للمعتزلی ج3 ص140/141 وتاریخ الدولة العربیة ص81.


(2) الكامل فی التاریخ ج3 ص364 وتاریخ الأمم والملوك ج4 ص87 وأنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص411 والبدایة والنهایة ج7 ص417 وشرح النهج ج3 ص128 وراجع كتاب الغارات ج1 ص333.


(3) العبر ودیوان المبتدأ والخبر ج3 ص147.













الصفحة 74


وبلغ زیاداً عن رجل یدعى أبا الخیر، من أهل الباس والنجدة: أنه یرى رأی «الخوارج»؛ فدعاه؛ فولاه جندی سابور، وما یلیها. ورزقه أربعة آلاف درهم فی كل شهر، وجعل عمالته فی كل سنة مئة ألف.


فكان أبو الخیر یقول: ما رأیت شیئاً خیراً من لزوم الطاعة، والتقلب بین أظهر الجماعة(1).


ندماء الملوك:


وقد كان زیاد بن أبیه یبعث إلى الجماعة منهم، فیقول: ما أحسب الذی یمنعكم من إتیانی إلا الرجلة [أی عدم وجود ما یركبونه] فیقولون: أجل.


فیحملهم، ویقول: اغشونی الآن، واسمروا عندی.


وقد مدحه عمر بن عبد العزیز على ذلك، فراجع(2).


وقد صار سمیرة بن الجعد ندیماً للحجاج، وغرّته مباهج القصر، فلما عاتبه قطری بن فجاءة على ذلك، حمل سلاحه، ولحق به، دون أن ینذر الحجاج بذلك(3).


مدائحهم للطواغیت:


وقد مدح الطرماح وهو خارجی الوالی من قبل بنی أمیة، خالد بن عبد الله القسری(4).


____________



(1) راجع: الكامل فی الأدب ج3 ص261/262.


(2) المصدر السابق.


(3) راجع: الخوارج فی العصر الأموی ص261/262 و279/280 وراجع أیضاً مروج الذهب ج3 ص136/137.


(4) راجع: الأغانی ج10 ص158.













الصفحة 75


وسیأتی أن ابن الكواء یفد على معاویة، ویأخذ جائزته، ویمدحه، ویبین له أیضاً حالات أهل الأمصار.


صداقات ومحبة:


كما أن المنذر بن الجارود العبدی، الذی كانت ابنته زوجة لعبید الله بن زیاد قد كان من أكرم الناس على ابن زیاد، ولكنه حینما أجار علیه ابن مفرغ لم یقبل منه(1).


كما أنه كان قریباً إلى معاویة، ویحضر مجلسه(2).


بیعتهم لابن زیاد:


وحینما ظهر أمر ابن زیاد قال الناس لعبد الله بن زیاد: «أخرج لنا إخواننا من السجون، وكانت مملوءة من «الخوارج»، قال: لا تفعلوا. فأبوا، فأخرجهم. فجعلوا یبایعونه، فما تكامل آخرهم حتى أغلظوا إلیه، ثم عسكروا، وقیل: خرجوا یمسحون الجدر بأیدیهم، ویقولون: هذه بیعة ابن مرجانة الخ»(3).


وفاء حروری للعرش الأموی!!:


وكان عقفان حروریاً خرج فی أیام یزید بن عبد الملك فی ثلاثین رجلاً، فأراد أن یرسل إلیه جنداً فقیل له إن قتل عقفان بهذه البلاد اتخذها «الخوارج» دار هجرة.


____________



(1) راجع: الأغانی ـ ط ساسی ج17 ص56.


(2) راجع: الأغانی ج13 ص48.


(3) سیر أعلام النبلاء ج3 ص546و547.













الصفحة 76


فبعث لكل رجل من أصحاب عقفان بعض قومه لیكلمه ویردّه، فلما بقی عقفان وحده بعث إلیه یزید أخاه، فاستعطفه، وردّه.


فلما ولی هشام الخلافة ولاه أمر العصاة بعد أن أراد أن یولیه إمرة مصر.


ولما ولی عقفان أمر العصاة، وعظم أمره قدم ابنه من خراسان عاصیاً، فشده وثاقاً، وبعث به إلى الخلیفة هشام، فأطلقه هشام لأبیه، وقال: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه عنا، فاستعمله على الصدقة فبقی عقفان على الصدقة، إلى أن مات هشام، وولی الخلافة مروان الجعدی الحمار(1).


الوصول إلى الحكم هدفهم:


ومما یدل على أن «الخوارج» كانوا طامعین فی الوصول إلى الحكم: أن زعیمهم وخلیفتهم الأول، عبد الله بن وهب الراسبی، قد قال لرسول علی (علیه السلام):


نقاتلكم كی تلزموا الحق وحده ونضربكم حتى یكون لنا الحكم وفی رسالة «الخوارج» لعلی (علیه السلام) نجدهم یطلبون منه أن یبایع لابن وهب الراسبی(2). فلو أنه بایع له، انحلت عقدتهم تجاهه.


وقد صرح أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) بأنهم غرتهم الأمانی، وزینت لهم المعاصی، ونبأتهم بأنهم ظاهرون(3).


____________



(1) النجوم الزاهرة ج1 ص251 وفی هامشه عن الكامل فی التاریخ.


(2) العقود الفضیة ص49.


(3) ذكرنا مصادر هذا النص حین الكلام حول وصف علی (علیه السلام) لهم.













الصفحة 77


الهرب فی الحروب، والتفرق، والبغضاء:


وإن هروبهم فی الحروب، ثم اختلافاتهم، وما كان ینشأ فیما بینهم من احقاد لیدل دلالة واضحة: على حبهم للدنیا، وطلبهم لها.


وقد قال زید بن جندب فی الاختلاف الذی وقع بین الأزارقة:


 





















قل للمحلین قد قرت عیونكم بفرقة القوم والبغضاء والهرب
كنا أناساً على دین ففرقنا طول الجدال وخلط الجد باللعب
ما كان اغنى رجالاً ضل سعیهم عن الجدال وأغناهم عن الخطب
إنی لأهونكم فی الأرض مضطرباً ما لی سوى فرسی والرمح من نشب(1)



یقتلون إخوانهم للخلاص من السجن!!:


والأدهى من ذلك كله: أننا نجدهم مستعدین لأن یقتل بعضهم بعضاً اختیاراً وقد فعلوا ذلك من دون أی مبرر، فی مقابل أن یطلق ابن زیاد سراحهم من السجن، وكان منهم طواف بن غلاق.


وقد تبادلت «الخوارج» بعد ذلك اللوم. وندم طواف بن غلاق وأصحابه على فعلتهم بإخوانهم، وأخذوا یبكون على ما فعلوه بأصحابهم. ثم عرضوا الدیة والقود على أولیاء المقتولین، فأبوا(2).


____________



(1) البیان والتبیین ج1 ص42 وشرح النهج للمعتزلی ج4 ص205.


(2) راجع: الكامل فی التاریخ ج3 ص516/517 والعبر ودیوان المبتدأ والخبر، ص144 وراجع العقود الفضیة ص108/109 لكن فیه: أن ابن زیاد إنما سجن الأحرار والموالی وفتن بعضهم بعضاً وقتل الأحرار الموالی.













الصفحة 78


الغدر والخیانة وتطبیق الأحكام انتقائیاً:


ویستظهر البعض أن شبیباً الخارجی قد قتل على ید «الخوارج» أنفسهم، حیث إنهم حینما هزموا وكان شبیب یعبر الجسر، قطع بعض أنصاره الحبال(1)؛ فغرق شبیب بسبب ذلك.


ویقول البعض: إن هذه الروایة أقرب إلى التصدیق من روایة نزو فرسه على فرسٍ أنثى كانت امامه، فنفرت منه، فوقع. ثم هو یقول: «وكان بین الجماعة التی یقودها نفر لم یكونوا له مخلصین تمام الإخلاص. وهو أمر من السهل جداً أن یوجد فی قوم لا لواء لهم یعترفون به غیر الله تعالى، أخذ هؤلاء علیه: أنه كان یستثنی قومه أن یطبق علیهم ما یأمر به دین الخوارج»(2).


القعود عن الحرب، والفرار:


إنهم كانوا یدّعون: أن الفرار من الحرب ذنب یوجب الخروج من الدین. وكذلك القعود عن جهاد العدو.


وقد كان هروبهم هذا هو السمة الممیزة لهم فی كثیر من حروبهم. وقد أشار زید بن جندب إلى هذا الأمر فی شعره المتقدم..


ثم إن الكثیرین منهم قد ركنوا إلى الدنیا، فلا یعملون بما یدعون: أنه دینهم وعقیدتهم، بل لقد أظهروا فی أكثر من موقع، وأكثر من مناسبة: أنهم طلاب بقاء، لا طلاب موت وفناء.


____________



(1) الطبری ـ ط لیدن ج2 ص975 فما بعدها.


(2) الخوارج والشیعة ص98.













الصفحة 79


فهذا أبو خالد التنانی یتخلف عن الخروج للحرب، خوفاً على بناته، لأنهن ضعاف، ویخشى علیهن الفقر والعری بعده(1).


فهو إذن لا یرى أن الله هو الكافی له ولهن.


وقد سجل لنا التاریخ فرارهم من الحرب فی العدید من المواطن، التی یطول المقام بذكرها(2).


ویحمس البهلول الشیبانی الخائفین من الموت، المتخاذلین بقوله:


 









فلا التقدم فی الهیجاء یعجلنی ولا الحذار ینجینی من الأجل



وكان عمران بن حطان ـ مادح عبد الرحمن بن ملجم لقتله علیاً ـ من قعدة الصفریة. وكان یهرب من مكان إلى آخر، تخفیاً من عیون الحجاج(3).


وقد التجأ إلى بیت روح بن زنباغ، الذی كان سمیر عبد الملك بن مروان، مدعیاً أنه من الأزد، وكاد أن یقع فی ید عبد الملك، فغادر منزل ابن زنباغ، وخلف رقعة فی كوة عند فراشه، فیها ابیات من جملتها:


 













یوماً یمان إذا لاقیت ذا یمنٍ وإن لقیت معدیاً فعدنانی
لو كنت مستغفراً یوماً لطاغیة كنت المقدم فی سری وإعلانی(4)



____________



(1) الكامل فی الأدب ج3 ص167 وراجع: الخوارج فی العصر الأموی ص276 و261.


(2) الأغانی ـ ط ساسی ج20 ص109و113 والبرصان والعرجان ص176 والعقد الفرید ج1 ص220و221 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص101 و121 وج4 ص271 و166 والخوارج والشیعة ص96 و101 والعقود الفضیة ص220.


(3) خزانة الأدب ج2 ص438 والأغانی ـ ط ساسی ج16 ص152و154.


(4) الأغانی ـ ط ساسی ج16 ص153. وراجع: سیر أعلام النبلاء ج4 ص214و215 والكامل فی الأدب ج3 ص170 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص92ـ94.













الصفحة 80


فهو یعتبر مضیفه طاغیة لا یستحق أن یستغفر له رغم أنه بقی فی منزله تلك المدة الطویلة.


ودخل الطرماح على عبد الملك، وعنده الفرزدق، وهو مقبل علیه، فقال الطرماح: «یا أمیر المؤمنین من هذا الذی ألهاك عنی الخ..».


والظاهر أنه الطرماح بن عدی، وهو الطرماح الأكبر، وهو خارجی(1).


وكان أصحاب قطری بن الفجاءة، یخشون أن یلبسهم العار لكثرة هروبه من وجه المهلب، فخاطبه أحدهم:


 

















أیا قطری الخیر إن كنت هارباً ستلبسنا عاراً وأنت مهاجر
إذا قیل قد جاء المهلب أسلمت له شفتاك الفم والقلب طائر
فحتى متى هذا الفرار مخافةً وأنت ولی والمهلب كافر(2)



وحینما أرسل الحجاج من ینادی فی أصحاب شبیب: من جاءنا منكم فهو آمن.. كان كل من لیست له بصیرة فی دین «الخوارج»، ممن هزه القتال وكرهه ذلك الیوم یجیئ فیؤمن.


وقبل ذلك كان الحجاج نادى یوم هزم شبیب: من جاءنا فهو آمن. فتفرق عن شبیب ناس كثیر من أصحابه(3).


وبعضهم «جیئ به لیقتل، فاستثاره منظر الجلاد والنطع؛ فأخذ یستنجد عاطفة الخلیفة، لیعفو عنه، ویتركه لأطفاله»(4).


____________



(1) تهذیب تاریخ دمشق ج7 ص55ـ56.


(2) الخوارج فی العصر الأموی ص275.


(3) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج4 ص272 وتاریخ الأمم والملوك ج6 ص277 ـ ط دار المعارف بمصر.


(4) الخوارج فی العصر الأموی ص285.













الصفحة 81


وقد اعترف عمرو بن الحصین بخذلانه أصحابه، حینما قال:


كم من أولی مقة صحبتهم شروا فخذلتهم ولبئس فعل الصاحب(1) وقال آخر منهم، كان قد خذل أصحابه أیضاً:


 









إخوان صدق أرجیهم وأخذلهم أشكوا إلى الله خذلانی لأنصاری(2)



ولا مبرر لهذه الشكوى فقد كان بإمكانه أن ینصرهم ویشد أزرهم.


وكان رجل من «الخوارج» قد قال قصیدة، فكان منها:


 









ومنا یزید والبطین وقعنب ومنا أمیر المؤمنین شبیب



فسار البیت، حتى سمعه عبد الملك بن مروان، فأمر بطلب قائله؛ فأتی به، فلما وقف بین یدیه، قال: أنت القائل:


ومنا أمیر المؤمنین شبیب؟!


قال: لم أقل هكذا یا أمیر المؤمنین.


قال: فكیف قلت؟!


قال: قلت: ومنا أمیرَ المؤمنین شبیب.


فضحك عبد الملك، وامر بتخلیة سبیله. فتخلص بحیلته وفطنته؛ لإزالة الإعراب عن الرفع إلى النصب(3).


وذكروا: أن خارجیاً كان قد خرج على ابن عامر ـ وذلك فی زمن معاویة ـ «فضیق علیه الخناق، حتى اضطره إلى طلب الأمان، فمنحه إیاه،


____________



(1) المصدر السابق ص281.


(2) المصدر السابق.


(3) المحاسن والمساوئ ج1 ص218 وفی هامشه عن: المحاسن والأضداد ص130 ومعجم الأدباء ج1 ص25 والمستجاد من فعلات الأجواد ص244 وسیر أعلام النبلاء ج4 ص147 وعن وفیات الاعیان ج2 ص456 وعن عیون الأخبار ج2 ص155.













الصفحة 82


ولما علم معاویة بالأمر، كتب إلى والیه، یأمره بقتله، وقتل أصحابه، فلم یستجب لأمره، وردّ علیه متذرّعاً: إنی قد جعلت لهم ذمتك!!»(1).


كما أن سهم بن غالب الهجیمی، الذی خرج على زیاد، عاد فطلب الأمان من زیاد، فلم یؤمنه، وظل یطلبه حتى قتله(2).


كما أن الذین أجبروا امیر المؤمنین (علیه السلام) على قبول التحكیم فی صفین، قد احتجوا بقولهم: «كنا قد طالت الحرب علینا، واشتد البأس، وكثر الجراح، وحلا الكراع»(3).


فهم حباً بالراحة قد أفسدوا حیاة الأمة بأسرها بموقف أرعن، حین أجبروا علیاً (علیه السلام) على قبول التحكیم، ثم حاولوا إجباره على التراجع عنه..


رأی ابن خلدون:


وأخیراً.. فإنه یتضح مما قدمناه عدم صحة قول ابن خلدون: «الخوارج المستمیتون فی شأن بدعتهم.. لم یكن ذلك لنزعة ملك، ولا سیاسة، ولم یتم أمرهم لمزاحمتهم العصبیة القومیة»(4).


نعم.. إن هذا لا یصح، إذ قد:


اتضح مما سبق: أنهم كانوا یریدون الملك، وأن یكون لهم الحكم كما صرح به أحد زعمائهم، وبینه تاریخهم، وما إلى ذلك.


____________



(1) الخوارج فی العصر الأموی ص122 عن الكامل فی التاریخ ج3 ص417/418.


(2) الخوارج فی العصر الأموی ص123.


(3) بهج الصباغة ج7 ص161 عن ابن دیزیل فی صفینه وبقیة المصادر فی الفصول المتقدمة.


(4) مقدمة ابن خلدون ج2 ص69 وقضایا فی التاریخ الإسلامی ص38.













الصفحة 83


قد زین لهم الشیطان أنهم ظاهرون ومنتصرون، كما صرح به سید الوصیین علی أمیر المؤمنین (صلوات الله وسلامه علیه)..


إن عدم وصولهم إلى ما یریدون لیس بسبب مزاحمتهم العصبیة القومیة كما ادعاه، وإنما بسبب سیاساتهم الخرقاء، وسلوكهم الأرعن، وإجرامهم، ومزاعمهم الباطلة، وعقائدهم الفاسدة، التی تجعل الناس كلهم ضدهم، لأنهم یكفرون كل من عداهم. كما أنهم یستحلون قتل حتى أطفال ونساء مخالفیهم من المسلمین، وبأبشع الطرق والأسالیب، كما أوضحناه فی أكثر من مورد من هذا الكتاب.


كما أن استماتتهم إنما كانت لدوافع أخرى، كالحقد الذی یجدونه فی أنفسهم، وطموح النزق بهم، وللحصول على بعض حطام الدینا أحیاناً أخرى.


إذن.. فلم تكن الإستماتة لأجل بدعتهم كما ادعاه ابن خلدون، وإن كنا لا نستبعد ذلك بالنسبة لبعض الأفراد من المخدوعین والسذج، والبسطاء منهم كما أشرنا إلیه..












الصفحة 84












الصفحة 85